سورة إبراهيم - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (إبراهيم)


        


قوله تعالى: {وبرزوا لله جميعاً} لفظه لفظ الماضي، ومعناه المستقبل، والمعنى: خرجوا من قبورهم يوم البعث، واجتمع التابع والمتبوع، {فقال الضعفاء} وهم الأتباع {للذين استكبروا} وهم المتبوعون. {إِنا كُنَّا لكم تَبَعاً} قال الزجاج: هو جمع تابع، يقال: تابِع وتَبَع، مِثْل: غائب وغَيَب، والمعنى: تبعناكم فيما دعوتمونا إِليه.
قوله تعالى: {فهل أنتم مُغْنون عنا} أي: دافعون عنا {من عذاب الله من شيء}. قال القادة: {لو هدانا الله} أي: لو أرشدنا في الدنيا لأرشدناكم، يريدون: أن الله أضلَّنا فدَعوناكم إِلى الضلال، {سواء علينا أجَزِعنا أم صَبَرنا} قال ابن زيد: إِن أهل النار قال بعضهم لبعض: تعالَوْا نبكي ونضرع، فإنما أدرك أهلُ الجنة الجنةَ ببكائهم وتضرُّعهم، فَبَكَوْا وتضرعوا، فلما رأوا ذلك لا ينفعهم، قالوا: تعالَوْا نصبر، فانما أدرك أهل الجنة الجنةَ بالصبر، فصبروا صبراً لم يُرَ مثلُه قط، فلم ينفعهم ذلك، فعندها قالوا: {سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص} وروى مالك بن أنس عن زيد بن أسلم قال: جَزِعوا مائة سنة، وصبروا مائة سنة. وقال مقاتل: جزعوا خمس مائة عام، وصبروا خمس مائة عام. وقد شرحنا معنى المحيص في سورة [النساء: 121].


قوله تعالى: {وقال الشيطان} قال المفسرون: يعني به إِبليس، {لما قُضي الأمر} أي: فُرغ منه، فدخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، فحينئذ يجتمع أهل النار باللَّوم على إِبليس، فيقوم فيما بينهم خطيباً ويقول: {إِن الله وَعَدَكم وَعْد الحق} أي: وعدكم كَوْن هذا اليوم فَصَدَقكم {ووعدتكم} أنه لا يكون {فأخلفتكم} الوعد {وما كان ليَ عليكم من سلطان} أي: ما أظهرت لكم حُجَّةً على ما ادَّعيت. وقال بعضهم: ما كنت أملككم فأُكرهكم {إِلا أن دعوتكم} وهذا من الاستثناء المنقطع، والمعنى: لكن دعوتكم {فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم} حيث أجبتموني من غير برهان، {ما أنا بمصرخكم} أي: بمغيثكم {وما أنتم بمصرخيَّ} أي: بمغيثيَّ. قرأ حمزة {بمُصرِخيِّ} فحرك الياء إِلى الكسر، وحرَّكها الباقون إِلى الفتح. قال قُطرب: هي لغة في بني يربوع، يعني: قراءة حمزة. قال اللغويون: يقال: استصرخني فلان فأصرخته، أي: استغاثني فأغثته. {إِني كفرت} اليوم بإشراككم إِياي في الدنيا مع الله في الطاعة، {إِن الظالمين} يعني: المشركين.
قوله تعالى: {بإذن ربهم} أي: بأمر ربهم. وقوله: {تحيتهم فيها سلام} قد ذكرناه في [يونس: 10].


قوله تعالى: {ألم تر كيف ضرب الله مثلاً} قال المفسرون: ألم تر بعين قلبك فتعلم باعلامي إِياك كيف ضرب الله مثلاً، أي: بيَّن شَبَهاً، {كلمة طيبة} قال ابن عباس: هي شهادة أن لا إِله إِلا الله. {كشجرة طيبة} أي: طيبة الثمرة، فترك ذكر الثمرة اكتفاء بدلالة الكلام عليه. وفي هذه الشجرة ثلاثة أقوال:
أحدها: أنها النخلة، وهو في الصحيحين من حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس، وبه قال ابن مسعود، وأنس بن مالك، ومجاهد، وعكرمة، والضحاك في آخرين.
والثاني: أنها شجرة في الجنة، رواه أبو ظبيان عن ابن عباس.
والثالث: أنها المؤمن، وأصله الثابت أنه يعمل في الأرض ويبلغ عملُه السماء. وقوله: {تُؤتي أُكُلَهَا كل حين} فالمؤمن يذكر الله كل ساعة من النهار، رواه عطية عن ابن عباس.
قوله تعالى: {أصلها ثابت} أي: في الأرض، {وفرعها} أعلاها عالٍ {في السماء} أي: نحو السماء، وأُكُلُها: ثمرها. وفي الحين هاهنا ستة أقوال:
أحدها: أنه ثمانية أشهر، قاله علي عليه السلام.
والثاني: ستة أشهر، رواه سعيد بن جُبير عن ابن عباس، وبه قال الحسن، وعكرمة، وقتادة.
والثالث: أنه بُكْرة وعشية، رواه أبو ظبيان عن ابن عباس.
والرابع: أنه السنة، روي عن ابن عباس أيضاً، وبه قال مجاهد، وابن زيد.
والخامس: أنه شهران، قاله سعيد بن المسيب.
والسادس: أنه غُدوة وعشية وكلّ ساعة، قاله ابن جرير.
فمن قال: ثمانية أشهر، أشار إِلى مدَّة حملها باطناً وظاهراً، ومن قال: ستة أشهر، فهي مدة حملها إِلى حين صِرامها، ومن قال: بُكرة وعشية، أشار إِلى الاجتناء منها، ومن قال: سنة، أشار إِلى أنها لاتحمل في السنة إِلاَّ مَرَّة، ومن قال: شهران، فهو مدة صلاحها. قال ابن المسيب: لا يكون في النخلة أكُلُها إِلا شهرين. ومن قال: كل ساعة، أشار إِلى أن ثمرتها تؤكل دائماً. قال قتادة: تؤكل ثمرتها في الشتاء والصيف. قال ابن جرير: الطلع في الشتاء من أُكلها، والبلح والبُسر والرطب والتمر في الصيف.
فأما الحكمة في تمثيل الإِيمان بالنخلة، فمن أوجه:
أحدها: أنها شديدة الثبوت، فشبِّه ثبات الإِيمان في قلب المؤمن بثباتها.
والثاني: أنها شديدة الارتفاع، فشُبِّه ارتفاع عمل المؤمن بارتفاع فروعها.
والثالث: أن ثمرتها تأتي كل حين، فشُبِّه ما يكسب المؤمن من بركة الإِيمان وثوابه في كل وقت بثمرتها المجتناة في كل حين على اختلاف صنوفها، فالمؤمن كلما قال: لا إِله إِلا الله، صَعِدَتْ إِلى السماءِ، ثم جاءه خيرها ومنفعتها.
والرابع: أنها أشبهُ الشجر بالإِنسان، فإن كل شجرة يقطع رأسها تتشعب غصونها من جوانبها، إِلا هي، إِذا قُطع رأسها يبست، ولأنها لاتحمل حتى تلقَّح، ولأنها فضلة تربة آدم عليه السلام فيما يُروى.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8